كيف فاز سلوت بالدوري الإنجليزي بمساعدة يورجن كلوب؟

في مشهد غير معتاد، لم يكن تتويج ليفربول بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز موسم 2024-2025 حكاية بطل فردي، بل هو فصل جديد في قصة بدأت قبل عام، عندما ودّع يورجن كلوب أنفيلد تاركًا وراءه إرثًا فنيًا وتكتيكيًا ساعد بشكل غير مباشر خليفته، الهولندي أرني سلوت، على حصد المجد المحلي.
كلوب.. حجر الأساس قبل الرحيل
اختار يورجن كلوب، الذي قاد ليفربول لتاريخ ذهبي في العقد الأخير، أن يرحل في هدوء، لكنه لم يترك الفريق خاويًا. بل على العكس، أصر على إعادة بناء خط الوسط بالكامل قبل مغادرته، فقام بجلب عناصر شابة مثل ماك أليستر، دومينيك سوبوسلاي، ريان جرافنبيرخ، وواتارو إندو لتعويض رحيل أسماء ثقيلة كفابينيو وهندرسون وكيتا وميلنر.
لم تكن تلك مجرد تعاقدات تقليدية، بل كانت انتقالات استراتيجية وضعت أساسًا لفريق يمكنه التطور والتأقلم لسنوات. وبدلًا من تكرار سيناريو اعتزال السير أليكس فيرجسون الذي ترك مانشستر يونايتد في حالة فنية هشة، غادر كلوب الفريق وهو في أفضل حالاته الفنية والبدنية.
سلوت.. من الإرث إلى الابتكار
حين رحّب كلوب بسلفه الجديد بأهزوجة “أرني سلوت” في ملعب أنفيلد، لم يكن يدرك أحد أن هذا المدرب الهولندي سيكتب اسمه في كتب التاريخ من أول موسم. بدأ الموسم بطريقة مثالية، واستفاد من معسكر تحضيري ناجح ونتائج مبكرة رائعة، لكنه سرعان ما اصطدم بالواقع بعد الهزيمة أمام نوتنغهام فورست.
عند هذه النقطة، لم يرض سلوت بأن يكون “نسخة أخرى من كلوب”، بل قرر الخروج من عباءة الضغط العالي المكثف، وتحويل نظام الفريق إلى 4-2-3-1 بدلًا من 4-3-3 المعتادة، ما خفف العبء البدني عن اللاعبين وأطلق العنان لإمكانات هجومية غير مستغلة سابقًا.
التكتيك يتغير.. والنتائج تتحدث
تحول سلوت إلى الضغط الأكثر تحفظًا، منح محمد صلاح حرية هجومية أكبر، ولم يعد مضطرًا للعودة كثيرًا للدفاع. كما وظّف دياز أحيانًا كرأس حربة، وركّز على استخدام جرافنبيرخ كمحور أساسي بجانب إندو، مما سمح لسوبوسلاي وماك أليستر بأدوار أكثر إبداعًا بدلًا من مجهودات بدنية مفرطة كما كان الحال مع كلوب.
التغيير التكتيكي لم يكن مجرد رفاهية، بل ضرورة ساعدت الفريق على تقليل الإصابات وزيادة الفاعلية أمام المرمى، وإن كانت كلفته أحيانًا الإفراط في الاعتماد على صلاح، خاصة في غيابه التهديفي عن بعض المباريات الحاسمة أوروبيًا.
منجز جماعي.. لا بطل واحد
قد يكون التتويج باسم سلوت، لكنه نتاج مشروع مشترك. كلوب خطط، زرع، وبنى الأساس، وسلوت جاء ليطوّر، يعدّل، ويقطف الثمار. وهذا التتابع المثالي نادر في كرة القدم الحديثة، خاصة في أندية القمة التي تُغير جلدها الفني بلا رؤية بعيدة المدى.
ليفربول لم يفز فقط بالدوري، بل فاز بتجربة إدارية وفنية ناضجة، تُثبت أن الاستمرارية لا تعني الجمود، وأن التغيير لا يجب أن يكون هدمًا بل امتدادًا ذكيًا.
الختام: من أنفيلد.. حيث تكتمل الحكايات
ما بين أهزوجة “أرني سلوت” وتلك الليلة التي رفع فيها ليفربول الكأس، يقف اسم يورجن كلوب كجسر صلب عبر به الفريق إلى مرحلة جديدة من المجد. لم يكن بطلًا غائبًا، بل مشاركًا من وراء الستار، كتب سطرًا أخيرًا في حكايته، وترك الصفحة التالية لرجل استحق أن يُكتب اسمه بالحبر الذهبي.